جاء فصل الربيع بكل ما يحمله من بهجة وسرور، وورود زاهية الألوان تفتحت أوراقها النضرة لتعبق الجو بأريجها الفتان.
العصافير تمرح في الفضاء مغردة ، والشمس تلقي بخيوطها الذهبية على الموجودات ليلمع تحت أشعتها رزاز المياة المنبثق من الرشاشات الصغيرة ،وترسم قوس قزح متألق بألوانه السبع.
كانت الحدائق تتألق بالجمال ، لوحة حية من صنع الخالق عز وجل.
وكانت ( ندى ) تخطو بخطواتها الرقيقة الحانية ، وشعرها الأسود المتطاير خلفها في حرية ونعومة. فتاة بسيطة هي، ترتدي ملابس مكونة من فستان بلون الروز ، وعلى خصرها حزام عريض أنيق من اللون نفسه ولكنه أغمق قليلا، وكانت تنتعل حذاء مائل إلى الشفافية وكأنه زجاج من نفس اللون أيضا.
وكان جسدها ضيئل نسبيا متوسط الطول والوزن ، كانت تقترب من النحافة ولكنها ليست بنحيفة. وكانت عينيها رماديتان غاية في الجمال ، واسعة جذابة ساحرة ، ووجهها مائل إلى البياض تخفي الرؤوس السوداء والنمش جمالة ، وربما هذا بالذات هو سر عقدتها.
في الحادية والعشرون من عمرها ، أتمت دراستها الجامعية بكلية التجارة قسم محاسبة .
وكانت ذكية مثقفة رومانسية حالمة رقيقة تعرف ربها ، ولكن نصيبها من الدنيا كان سيئا فوالدها فقير الحال يعمل صراف في أحد المصالح الحكومية ، ووالدتها سيدة بيت طيبة لم تنال حظا وافرا من التعليم ، وكانت بلا أشقاء.
واكثر شيء يؤلمها في الحياة هو الحب كان حلمها كأي فتاة هو أن تحيا قصة حب بكل جمالها ورومانسيتها ، ولكنها للأسف لم تقابل فارس أحلامها حتى الآن
، وقد أشترك هذا مع ملامح وجهها المليئة بالرؤوس السوداء والنمش ؛ ليمنحها ألم بلا حدود ويأس في أن تجد من يحبها وتحبه ، فلقد كانت قد عاهدت نفسها في أنها عندما تقع قي الحب ستمنح حبيبها كل مشاعرها المختزنة داخل قلبها . ستسعده كما لم يسعد من قبل ، ولكن أين هو ؟ أين ذلك الفارس النبيل بحصانه الأبيض ليختطفها من أرض التعاسة والشقاء ؟ ويذهب بها إلى قصر الحب التي تظلله الورود والبلابل . أين؟
كانت اليوم تتنزه في الحديقة سعيدة لأنها ستقابل صديقتها العزيزة ( رانيا ) المقربة إلى قلبها . فلقد مضى شهر كامل لم تراها فيه لسفرها إلى الأقصر . والأن عادت صديقتها وهما على موعد للمقابلة ، كم أشتاقت إليها ؟ كم........؟ قطع حبل أفكارها صوت صديقتها ( رانيا ) الأتي من خلفها :
- ندى.. ألتفتت بكل الشوق إليها ،وقالت وعلى شفتيها ترتسم إبتسامة سعادة : - رانيا .. أحتضنتها بلهفة وطبعت على وجنتيها قبلة شوق ، وقالت: - شهر بحالة مشوفش وشك فيه .. ياوحشة .
هزت ( رانيا ) كتفيها ، وهي تقول: - أعمل إيه بقى الأقصر وعظمة الفراعنة الأجداد ، بصراحة كان شهر يجنن .
( ندى) : - يا بختك .. أنا يا عيني قاعدة مقطوعة هنا لوحدي . ( رانيا ) : - صحيح طمنيني إيه أخبار العريس اللي كان متقدم لك .
أستعادت ( ندى ) الذكرى الأليمة ، عندما تقدم شاب إلى طلب يدها ، وما أن رأها حتى هب واقفا ، وأنصرف وهو يتمتم بعبارات إعتذار خافتة . لم تنال إعجابة ، والأدهى أنه شعر بالذعر عندما رأها وكانه رأى شبح .
تمتمت ( ندى ) في خفوت والدموع تتألق في مقلتيها ، وقالت :
- مفيش نصيب .
( رانيا ) : - طيب هو كان أسمه إيه ؟ وبيشتغل فين ؟ سالت الدموع من عيني ( ندى ) دون أن تدرى ، وهي تقول في حزن:
- معلش يا حبيبتي ، مفيش حاجة في الدنيا تستاهل دموعك الغالية .
قالت ( ندى ) من بين دموعها : - رفضني .. رفضني يا (رانيا ) علشان شكلي . ( رانيا) : - وماله شكلك يا حبيبتي ؟ ده أنتي زي القمر . ( ندى ): - أنتي بتكدبي عليا ولا على نفسك أنا عارفة أني مش حلوة . مش حلوة. ظلت ترددها عدة مرات بلا وعي ، حتى شعرت (رانيا ) بالذعر فقالت محاولة تهدئتها :
- إهدي بس يا ( ندى ) ووحدي الله وكل شيء هيبقى كويس. سالت الدموع من عينيي ( ندى ) ودفنت رأسها في صدر صديقتها ، التي أخذت تربت على شعرها ، قائلة: - خلي إيمانك بالله قوي ، وإن شاء الله كل شيء هيبقى كويس .
قالت ( ندى ) من بين دموعها : ونعم بالله . أمسكت ( رانيا ) بكف صديقتها ، وسحبتها ليسيران معا في قلب الحديقة ثم أشارت إلى جمال المكان ، وقالت: - فيه حد في الدنيا يبقى حواليه المشهد الرائع ده ويعيط ، يلا أمسحي دموعك علشان أقول لك على المفاجأة اللي كنت محضراها لك . جففت ( ندى ) دموعها ، وتأملت صديقتها لحظات ثم سألتها : - مفاجأة ! مفاجأة إيه ؟
صمتت ( رانيا ) هنيهة وكأنها تتعمد إثارة صديقتها التي أخذت تتأملها في لهفة لمعرفة نوع المفاجأة.